سورة النحل - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


أيان يبعثون: متى يبعثون. لا جرم: لا بد. ولا محالة وتأتي بمعنى القسم: حقا.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.
إن هذه الأوثانَ التي تبعدونها من دونِ الله لا تخلق شيئاً بل هي مخلوقة، فيكف يكونُ إلهاً ما يكون مصنوعاً بالأيدي!!
وهم {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.
إنها جماداتٌ ميتة لا حِسَّ لها ولا حركة، ولا تسمع ولا تُبصر ولا تعقل، وما تدري هذه الأصنامُ متى تكون القيامة والبعث للناس، فلا يَليقُ بكم أيّها العقلاء بعدَ هذا أن تظنوا أنها تنفعكم فتُشرِكوها مع الله في العبادة.
ولما أبطل اللهُ عبادة الاصنام وبيّن فساد مذهب المشركي- بيَّن أنه الإله الواحد الخالقُ المدبِّر.
{إلهكم إله وَاحِدٌ فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}.
ان الإله الذي تجبُ عبادته هو الله الواحدُ الخالق لا شريك له، أما الذين لا يؤمنون بالعبث والحساب فإنّ قلوبَهم مغلَقَةٌ منكِرة لوحدانيته، وهم مستكبِرون لا يريدون التسليمَ بالبراهين الواضحة، ولا يؤمنون بالرسول الكريم.
وبعد أن ذكر الأسبابَ التي لأجلِها أصرَّ الكفار على الشِرك وانكارِ التوحيد- ذَكَرَ هنا وعيدهم على أعمالهم فقال: {لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
حقاً إن الله يعمل ما يسر هؤلاء المشركون ويعمل ما يعلنون من كفرهم وافترائهم عليه. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} عن سماع الحق والخضوع له.
وفي الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبْر» وفي حديث صحيح آخر «ان المتكبرين امثال الذر يم القيامة، تطؤهم القيامة، تطؤهم الناس باقدامهم لتكبّرهم».


أساطير الاولين: أباطيل وخرافات السابقين من الأمم. الأوزار: الآثام واحدها وزر. ساء ما يزرون: بئس ما يعملون من آثام فاتى الله بنيانهم من القواعد: هدمها من الأساس. فخر عليم السقف: سقط عليهم. فالقوا السلم: استسلموا. مثوى المتكبرين: مكان إقامتهم.
بعد أن ذكر الله تعالى دلائلَ التوحيد والبراهين الواضحة على بطلان عبادةٍ الأصنام وعدَّدَ نِعمه على عبادِه وما سخَّره في هذا الكون للإنسان- أردفَ ذلك بذِكر شبُهات من انكروا النبوة والجواب عنها فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين}.
كان كفار قريش وزعماؤهم يخشون أن يأتيَ الناسُ ويجتمعوا بالرسولِ الكريم عليه الصلاةُ والسلام ويقولون: إن محمداً رجلٌ حلو اللسان، إذا كلّمه أحدٌ ذهب بعقله. وكانوا يرقبون الطرقَ المؤدّيةَ إلى مكة حتى يمنعوا من يأتي قاصداً الرسولَ الكريم ويصدّوه، كما يفترون على الرسول عليه الصلاة والسلام أقوالاً مخلتفة، فتارةً يقولون إنه ساحر، وأخرى إنه شاعرٌ أن كاهن الخ، وما هذا الّذي يأتي به إلا أباطيل الأُمم السابقة وخرافاتها يتلوها على الناس.
وكل هذه الأمور الّتي يأتونها من نوعِ الدعاية يدبِّرونها حتى يتفادوا الإيمان بالنبيّ الكريم ولكنّ اللهَ هزمهم ونَصَرَ رسوله والمؤمنين.
{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ}.
إما عمِلوا، وتقولَّوا الكذبَ ليصدُّوا الناسَ عن اتِّباع رسول الله، ولتكون عاقبتهم أنهم يتحملون آثامَهم وآثام الذين غرَّروا بهم وأضلُّوهم فاتَّبعوهم على جهلٍ وبغير علم.
{أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} بئس ما يرتكبونه من الإثمِ والذنوب.
ثم بين لهم أن عاقبة مكرِهم عائدة إليهم، كدأْب مَن قبلَهم من الأمم السابقة الذين اصبهم من العذاب ما أصبهم بتكذيب رسلهم، فقال: {قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}.
ان الذين من قبلهم من الأمم السابقة قد مكروا برسلهم وكذّبوهم ودبروا لهم المكايد، فأبطل الله كيدَهم ودمرهم بلادهم وهدمها من الأسس، فانهارت البيوت وخرَّت سقوفها على أصحابها، واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.
والله سبحانه سوف لا يُنجيهم من العذاب في الآخرة، بل لهم عذابٌ أشد واعظم.
{ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟}.
يسألهم الله تعالى يوم القيامة على سبيل الخِزي والاستهزاء بهم ويقول لهم: اين الذي اتخذتموهم شركاءَ لي في العبادة، وكنتم تحاربونني ورسُلي في سبيلهم؟ أين هم حتى ينصروكم ويمدوا لكم يد العون؟ فلا يستطيعون جوابا.
{قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين}.
وحينئذ يقول الذين يعلمون الحقّ من الأنبياء والمؤمنين والملائكة ان الذل والخزيَ والهوانَ اليوم على الكافرين المكذبين.
قراءات:
قرأ نافع: {تشاقونِ} بكسر النون. والباقون {تشاقونَ} بفتحها.
ثم يبيّن ان الكافرين الذين يستحقون هذا العذاب هم الذين استمروا على كفرهم إلى ان تتوفاهم الملائكة وهم ظالمون: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}.
ماذا يفعلُون في ذلك الموقف المخزي؟.
{فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء}.
إنهم استسملوا لَمّا عاينوا العذابَ قائلين: ما كنّا نشرك بربّنا احداً، ولكنّ الله يكذّبهم بقوله: {بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ان الله لا يَخفى عليه شيء، وهو على علمٍ بما كنتم تكفرون وتكذبون.
ثم بين الله تعالى مصيرهم المحتوم، فقال: {فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين}.
ان مصيركم جهنمُ فادخلوها من أبوابها المتعددة، وذوقوا الواناً من العذاب خالدين فيها أبداً، وبئس المقامُ والمثوى لمن كان متكبراً عن اتّباع الرسل والاهتداء بما أُنزل عليهم من آيات.
قراءات:
قرأ حمزة: {الذين يتوفاهم} بالياء. والباقون بالتاء.


ينظرون: ينظرون. أمر بك: حكم ربك فيهم. حاق بهم: أحطا بهم.
بعد أن بين اله أحوالَ المكذبين وما ينالهم في الدنيا والآخرة، وذكر هنا وصف المؤمنين وثقتَهم بالله ورسوله، وما أعدّ لهم من الخير والسعادة في جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ جزاء ايمانهم واحسانهم.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ}.
وقيل للذين آمنوا بالله واتقوا: ما الذي أنزلَه ربُّكم على رسوله؟ قالوا: أَنزل عليه القرآن فيه خيرُ الدنيا والآخرة للناس جميعا، فكانوا بذلك من المحسنين. والله تعالى وعد بان يكافئ المحسنين بحياة طيبة، وفي الآخرة لهم الجنةُ بما أحسنوا.
{وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين}.
لنِعم الدارُ التي يقيم فيها المتقون، جناتُ عدْن تجري من تحت قصورها واشجارها الانهار، ولهم فيها ما يردون من النعيم. ومثل هذا الجزاء الأوفى يجزي الله الذين اتقوه.
وفي هذا حثٌّ للمؤمنين على الاستمرار على التقوى، ولغيرِهم على تحصيلها.
{الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادخلوا الجنة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
هؤلاء المتقون تقبض الملائكة أرواحَهم طيبين، طاهرين من دَنس الشِرك والمعاصي، وتستقبلهم الملائكة بقولهم: سلام عليكم، ادخلوا الجنة بما قدّمتم من أعمال صالحة في دنياكم ولن يصيبكم بعدَ اليوم مكروه.
أخرج ابن جرير والبيهقي عن محمد بن القرظي قال: «إذا اشرفَ المؤمن على الموت جاءه ملَك فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، وبشرّه بالجنة».
ثم يعود الكلام عن المشركين من قريش: ماذا ينتظرون، بعد عنادهم وكفرهم وتكذيبهم للرسول الكريم عليه صلواتُ الله وسلامه؟ وجزاءُ كفرهم وتكبّرهم النارُ وبئس القرار.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
ماذا ينتظر كفار مكة الذين قالوا ان القرآن أساطيرُ الأولين غير ان تأتيَهم الملائكة لتبقض اوراحهم، أو يأتي أمر الله بالعذاب المهلك. وهم ليسوا بأول من كذّب الرسل، فقد فعل مثلَهم الذين من قبلهم من الأمم وحلّ بهم العذاب، وما ظَلضمهم اللهُ في ذلك، فقد اندّرهم بواسطة الرسل، وإننزاله الكتب، ولكنْ ظلموا أنفسَهم بمخالفة الرسل وتكذيبهم ما جاؤا به. ثم اعقب الله ذلك بذكر ما ترتب على اعمالهم فقال: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
لهذا نزلت بهم عقوبةٌ من الله جزاءَ ما عملوا من سيئات، وأحطا بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8